أقوال الإمام الشافعي عن الصبر
أقوال الإمام الشافعي عن الصبر كثيرة، فقد كان شاعرًا بمعنى الكلمة، وصب من تعبيراته الملهمة على معاني الصبر حتى خرج لنا بالكثير من القصائد بالغة الجمال والشاعرية، والتي شاع بين الناس اقتباسها حتى يعبروا عن مدى الصبر على الظروف الصعبة التي يمرون بها، وكم أنه قيمة كبيرة لا يتحلى بها سوى أولي العزم.
أقوال الإمام الشافعي عن الصبر
الإمام الشافعي هو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ، وهو أحد الأئمة الأربعة الذين استخدمت كتبهم بتفسير العديد من أحكام الدين، سواء بالتفسير أو الحديث، واتصف بالكثير من الصفات الطيبة، والتي كان أكثرها شهرة العدل والذكاء، عكوفه على العلم، وصبره على الشدائد، ومن هذا الشعور خرج لنا بالكثير من الأقوال التي جاءت على هيئة قصائد شعرية معبرة عن صبره، وكان من بينها:
1- قصيدة دع الأيام تفعل ما تشاء
كان المعتقد الأساسي لدى الشافعي هو أن يترك الإنسان الحياة تفعل ما تريد، من منطلق كونه رجلًا يرضى بقضاء الله تعالى، فقد كان مقتنعًا أن لا الحزن يدوم، ولا الفرح يدوم، وكلها دنيا فانية، فلم يعطي لأهوالها قيمة كبيرة، فلم يكن يحب أن يرى الشماتة في عين أحد.
كان الشافعي موقنًا أن بنهاية باب الظلام نورًا لم يرى بعد، وعاش دائمًا منتظرًا هذا النور، ولم يأبه لهذا الظلام، لأنه كان يعلم أن الرجال لم يخلقوا إلا لمثل هذا، ومن منطلق كل هذه المعتقدات خرج لنا بهذه الأبيات المعبرة.
دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ
وطب نفساً إذا حكمَ القضاءُ
وَلا تَجْزَعْ لنازلة الليالي
فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ
وكنْ رجلاً على الأهوالِ
جلداً وشيمتكَ السماحة ُ والوفاءُ
وإنْ كثرتْ عيوبكَ في البرايا
وسَركَ أَنْ يَكُونَ لَها غِطَاءُ
تَسَتَّرْ بِالسَّخَاء فَكُلُّ عَيْب
يغطيه كما قيلَ السَّخاءُ
ولا تر للأعادي قط ذلًا
فإن شماتة الأعداء بلاء
ولا ترجُ السماحة من بخيلٍ
فَما فِي النَّارِ لِلظْمآنِ مَاءُ
وَرِزْقُكَ لَيْسَ يُنْقِصُهُ التَأَنِّي
وليسَ يزيدُ في الرزقِ العناءُ
وَلا حُزْنٌ يَدُومُ وَلا سُرورٌ
ولا بؤسٌ عليكَ ولا رخاءُ
وَمَنْ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِ الْمَنَايَا
فلا أرضٌ تقيهِ ولا سماءُ
وأرضُ الله واسعة ً ولكن
إذا نزلَ القضا ضاقَ الفضاءُ
دَعِ الأَيَّامَ تَغْدِرُ كُلَّ حِينٍ
فما يغني عن الموت الدواء
لا يفوتك أيضًا: أقوال و حكم الإمام الشافعي الشهيرة مكتوبة
2- شعر عن الصبر والألم
كان الشافعي رجلًا بالغ الحكمة، وكان فطنًا إلى أن الجزع لا يغير من الأمر شيئًا، لذا رضى بما حملته الأيام حتى تأتيه الأيام الطيبة في النهاية، وكان الشافعي غاية في التواضع والتسليم، فقد وهب كل عمره للعلم، فلم يكن راغبًا إلا بقوت يومه، وكتابًا يقرأه واكتفى بهذا من متاع الدنيا.
لهذا تجد أقوال الإمام الشافعي في الصبر بالغة التأثير والواقعية، فقد كان يؤمن بتأثير الصبر على رضا الإنسان بحياته، وحث الجميع على هذا من خلال الشعر لأنه يعلم مدى امتداد وصوله لحب العرب له، رحم الله من عاش حياته لا يهتم لأهوالها وكان كل همه الكتاب والقلم.
وما كنت أرضى من زماني بما ترى
ولكنني راض بما حكم الدهر
فإن كانت الأيام خانت عهودنا
فإني بها راض ولكنها قهر
محن الزمان كثيرة لا تنقضي
وسروره يأتيك كالأعياد
ملك الأكابر فاسترق رقابهم
وتراه رقاً في يد الأوغاد
إذا أصبحت عندي قوت يومي
فخل الهم عني يا سعيد
ولا تخطر هموم غد ببالي
فإن غدا له رزق جديد
أسلم إن أراد الله أمراً
فاترك ما أريد لما يريد
وما لإرادتي وجه إذا ما
أراد الله لي ما لا يريد
صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا
من راقب الله في الأمور نجا
من صدق الله لم ينله أذى
ومن رجاه يكون حيث رجا
سيفتح باب إذا سد باب
نعم وتهون الأمور الصعاب
ويتسع الحال من بعد ما
تضيق المذاهب فيها الرحاب
مع العسر يسران هون عليك
فلا الهم يجدي ولا الاكتئاب
فكم ضقت ذرعاً بما هبته
فلم ير من ذاك قدر يهاب
وكم برد خفته من سحاب
فعوفيت وإنجاب عنك السحاب
ورزق أتاك ولم تأته
ولا أرق العين منه الطلاب
وناء عن الأهل ذي غربة
أتيح له بعد يأس غياب
وناج من البحر من بعد ما
علاه من الموج طام عباب
إذا احتجب الناس عن سائل
فما دون سائل ربي حجاب
يعود بفضل على من رجاه
وراجيه في كل حين يجاب
فلا تأس يوم على فائت
وعندك منه رضا واحتساب
أتهزأ بالدعاء وتزدريه
ولا تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطئ ولكن
لها أمد وللأمد انقضاء
أشعار الشافعي القصيرة عن الصبر
على الرغم من وجود الكثير من القصائد الطويلة له إلا أن أقوال الإمام الشافعي في الصبر القصيرة عديدة أيضًا، فقد كان لسانه ينطق بالشعر بطلاقة كبيرة في كل موضوع وموقف، معبرًا بمعاني مختلفة في كل مرة، فقد كان قارئًا شرهًا، مما أثرى من لغته الفصحى.
1- الصبر على العلم
في إطار الحديث عن أقوال الإمام الشافعي في الصبر، فلم يصل شيخنا إلى هذه المكانة بالعلم بين ليلة وضحاها، ولا فجأة من دون مقدمات، بل بذل الصبر والجلد، والكثير من الأوقات الصعبة حتى وصل بعلمه إلى حالته الآن، وبين لنا ناصحًا من شعره، أن العلم لا نصل إليه إلا بالصبر على التحصيل، كما يظهر في هذه الأبيات:
اصبر على مرِّ الجفا من معلمٍ
فإنَّ رسوبَ العلمِ في نفراتهِ
ومنْ لم يذق مرَّ التعلمِ ساعة ً
تجرَّعَ نلَّ الجهل طولَ حياته
ومن فاتهُ التَّعليمُ وقتَ شبابهِ
فكبِّر عليه أربعاً لوفاته
وَذَاتُ الْفَتَى ـ واللَّهِ ـ بالْعِلْمِ وَالتُّقَى
إذا لم يكونا لا اعتبار لذاتهِ
2- الصبر على الرزق
لم يكن الإمام الشافعي يسعى إلى مال، ولا إلى جاه، بل كان كل مبتغاه أن يرفع الله من قدره علمًا، فلم يحب يومًا أن يرى الأعداء تشمت به من ضيقه بحاله، لهذا عاش كل عمره يكتم حزنه وفقره عن الناس، كما أن الشافعي كان صابرًا بقضاء الله، لا يجزع حتى من قلة الرزق، ووصلنا من أقوال الإمام الشافعي في الصبر هذه الأبيات:
وإن كثرت عيوبك في البرايـا
وسرك أن يكـون لهـا غطـاء
تستر بالسخـاء فكـل عيـب
يغطيه كمـا قيـل السخـاء
ولا ترى للأعـادي قـط ذلاً
فإن شماتـة الأعـداء بـلاء
ولا تـرج السماحة من بخيـل
فما في النار للظمـآن مـاء
ورزقك ليس ينقصـه التأنـي
وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حـزن يـدوم ولا سـرور
ولا بؤس عليـك ولا رخـاء
إذا ما كنت ذا قلـب قنـوع
فأنت ومالـك الدنيـا سـواء
ومن نزلـت بساحتـه المنايـا
فلا أرض تقيـه ولا سمـاء
وأرض الله واسـعـة ولكـن
إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
دع الأيام تغـدر كـل حيـن
فما يغني عن الموت الـدواء
لا يفوتك أيضًا: أقوال الإمام الشافعي
3- شعر عن الصبر على الضيق
لا زلنا نتحدث عن أقوال الإمام الشافعي في الصبر، فقد كان عالمنا رجلًا لا يجزع من مأزق، يعلم جيدًا أن الأزمات لا تستمر للأبد، وأن الحياة ما هي إلا تجربة يعيشها الإنسان حتى يصل إلى دار الراحة والسكينة في النهاية، ألا وهي جنة الخلد، وقال من منطلق هذه الأفكار:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعـًا
وعند الله منهـــا المخـــرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتهـا
فرجت وكنت أظنهـا لا تفــرج
لاَ تَـحْمِلَّـنَ لِـمَـنْ يَـمُنّ
مِـنَ الأَنَـامِ عَلَيْـكَ مِنَّــه
وَاخْتَـر لِـنَفْسِـكَ حَظَّهَــا
وَاصْبِـرْ فَـإِنَّ الصَبْـرَ جُنَّـه
مِنَنُ الرِّجَـالِ عَلَـى القُلُـوبِ
أَشَـدُّ مِـنْ وَقْـعِ الأسنة
صبرا جميلا ما أقرب الفرج
من راقب الله في الأمور نجا
من صدق الله لم ينله اذى
4- أبَى الصّبْرَ أني لا أرى البدرَ طَالِعًا
استكمالًا لحديثنا عن أقوال الإمام الشافعي في الصبر، فقد تحدث معه في مطلع هذه القصيدة كأنه هو من يحجب عنه الشمس والقمر، بل يفقده متعة الحياة.
أبَى الصّبْرَ أني لا أرى البدرَ طَالِعا
ولا الشّمسَ إلاّ ذكّرَاني بغالِبِ
شَبيهَينِ كانَا بابنِ لَيلى، وَمَنْ يكُنْ
شَبيهَ ابنِ لَيلى يَمحُ ضَوْءَ الكوَاكبِ
فَتىً كانَ أهلُ المُلكِ لا يَحجبونَهُ
إذا فَادَ يَوْماً بَينَ بَابٍ وَحَاجِبِ
كَأنّ تَميماً لمْ تُصِبْهَا مُصِيبَةٌ
ولا حَدَثَانٌ، قَبلَ يَوْمِ ابن غالِبِ
وَلَوْ شَعَرَ الأجْبَالُ دَمْخٌ وَيَذْبُلٌ
لمَالا بِأعْرَافِ الذُّرَى وَالمَناكِبِ
وهذه كانت أبيات عن الصبر
لا يفوتك أيضًا: قصة من سيرة الامام الشافعي
رحلة الإمام الشافعي مع العلم
ما الذي جعل أقوال الإمام الشافعي في الصبر تلقى كل هذا الشأن والاهتمام؟ هل لأنه إمام جليل؟ أم لأن حياته كانت حافلة بالأهوال والأحداث التي تستدعي الصبر والجلد؟
- كان الإمام الشافعي يعيش منذ نعومة أظفاره في غزة، الأمر الذي جعله يتتلمذ على يد الإمام مالك، ثم انتقل بعدها مع والدته في عمر العشرين إلى المدينة المنورة، فقد كانت راغبة في الحفاظ على نسبة، ورغبتها في أن يحصل على المزيد من العلم.
- بدأ بعدها الإمام بتأسيس مذهب خاص به، أقامه على أساس القرآن والسنة وأقوال الصحابة والخلفاء الراشدين، ولم يتأسس هذا المذهب دفعة واحدة، بل صبر الشافعي سنوات حتى أتمه على ثلاث مراحل، بثلاث بلاد مختلفة، من بينها مكة المكرمة، وبغداد ومصر.
- ألف الشافعي الكثير من الكتب في حياته، كلها كانت تتسم بالإتقان، فلم يكن ليقبل أن يخرج عملٌ من تحت يديه ليس متقنًا، ومن تلك الكتب التي ألفها كتاب الرسالة، كتاب جماع العلم، كتاب إبطال الاستحسان، كتاب أحكام القرآن.
الإمام الشافعي هو من أصدق العلماء في زمانه وزمن من تلاه، وهو الذي يدين له العلم والعلماء بالفضل، فقد سهل عليهم دراسة الفقه الذي كان عسيرًا عليهم.