حكم صيام الحامل والمرضع
حكم صيام الحامل والمرضع من الموضوعات الهامة في الشريعة الإسلامية؟ نظراً لأنها أحد القضايا المتواجدة باستمرار وسط الناس، بسبب؟ تعارض وقت الحمل والرضاعة لدى الكثير من النساء مع صيام الفرض، والمقصود هنا: الصيام في شهر رمضان الكريم.. ونتيجة لتباين الآراء وسط العامة من المسلمين، ووجود جدل كبير شائع بينهم حول هذه المسألة، سوف نقدم في هذه المقالة الحكم الشرعي والمتفق عليه بين جمهور العلماء لصيام كلِِ من الحامل والمرضع.
حكم صيام الحامل والمرضع
يظن الكثير من المسلمين أن المرأة الحامل أو التي ترضع يجب عليها الإفطار في رمضان! لذلك نجد السؤال الشائع هو كفارة صيام الحامل والمرضع، وما إن كانت تقضي أم تطعم؟ حيث اعتقد البعض بالخطأ بوجوب إفطار كلِِ منهما، وهذا الأمر غير صحيح! والدليل على ذلك أن جمهور الفقهاء وأصحاب المذاهب الأربعة، قد أكدوا على أن حكم الحامل والمرضع في الصيام واجب شرعاً ولا يجوز الإفطار عمداً وإلا تكون أثمة ووجب عليها كفارة الصيام العمد!
ويكون هذا الحكم في حالة؟ كانت الحالة الجسدية والصحية تسمح بذلك ولا يوجد مانع لصيام أي منهما، سواء بِوجود ضرر أو خطر على أي من الأم أو الجنين.. فيما يصبح إفطار الحامل أو المرضع في رمضان جائز شرعاً؟ إن كان هناك خطراً على المرأة أو المولود، ويحدد ذلك إما الطبيب المختص، الذي يجب أن يكون ثقة أو التجربة التي تظهر عدم قدرة الحامل أو المرضع على الصيام في وضعها الحالي.
حكم الحامل إذا أفطرت في رمضان
إذا توفرت الشروط التي تجبر الحامل على عدم الصيام سواء برأي من الطبيب المختص أو بالتجربة, كما سبق وأن وضحنا. فإنه حكم الحامل إذا أفطرت في رمضان، يكون جائز شرعاً ولا يوجد إثم عليها في ذلك، ولكن وقت ما تمكنت من القضاء سواء كان عقب الولادة والانتهاء من النفاس وهي ترضع أو بعد انتهاء الرضاعة؟وجب عليها القضاء.
وهذا الرأي المتفق عليه بين جمهور العلماء، حتى وإن تأخر هذا القضاء! ولا يعفيها الإطعام عن صيام القضاء. بل أن الصيام يكون كافياً عن الإطعام، وهذا الرأي الغالب بين جموع العلماء، منهم: الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين -رحمهما الله- بالإضافة إلى الصحابي الجليل الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
حكم الحامل والمرضع في الصيام
أحد الأخطاء الشائعة وسط الكثير من الناس، هو إقرارهم بِوجود حكم محدد يخص إفطار الحامل والمرضع في رمضان، وما إن كانت تقضي أو تطعم على كل يوم قامت بإفطاره على الرغم من وجود خلاف واسع ممتد بين السلف وكبار العلماء، وتنقسم الآراء حول حكم صيام الحامل والمرضع إلى ثلاث، وكل منهم له السند الذي عاد إليه في رأيه، وهذه الأقوال كالتالي:
- القول الأول: يجب على الحامل والمرضع القضاء فقط، وهذا المذهب الخاص بالإمام أبي حنيفة، والإمام مالك -رحمهما الله-. هذا بالإضافة إلى كلِِ من: ابن باز وابن عثيمين وابن المنذر -رحمهم الله جميعاً-. هذا وقد اتفقوا في رأيهم هذا مع رأي الإمام “علي بن أبي طالب” -رضي الله عنه-، الذي افتى بالقضاء فقط في هذه المسألة.
- القول الثاني: يجب على كلِِ من الحامل والمرضع الإطعام فقط عن كل يوم بالقدر المتفق عليه بين العلماء، وليس عليهما قضاء، وقد قال هذا الرأي بعض من الصحابة، وهم: “عبدالله بن العباس”، و”ابن عمر بن الخطاب” -رضي الله عنهم جميعاً-.
- القول الثالث: وجوب القضاء عليهما فقط أو وجوب القضاء والإطعام معاً، ويحدد ذلك على سبب الإفطار للحامل أو المرضع، وما إن كان السبب خوفاً على نفسها أم خوفاً على جنينها، وأصحاب هذا الرأي هما: الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل -رحمهما الله-.
حكم صيام القضاء للحامل
على الرغم من وجود خلاف بين السلف الصالح فيما يخص حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان. إلا أن الرأي الغالب بينهم والذي يؤخذ به هو القضاء عن هذه الأيام، وقتما سمح ذلك، وقد جاء في حكم صيام القضاء للحامل، ما يلي:
- رأي الأئمة الأربعة والإمام علي: وجب على الحامل التي تفطر في رمضان القضاء عن هذه الأيام. هذا وقد استندوا في رأيهم هذا على عدة أدلة، هي كالتالي:
- قوله تعالى: (…أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) { البقرة: 184 }.
- حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي جعل فيه حكم الحامل والمرضع مثل المسافر؟! الذي يجب عليه صيام القضاء عندما يستطيع ذلك، ولا يوجد عليه كفارة.
- القياس على المريض, كما في الآية الكريمة؟! فمثلما يقضي المريض عقب تعافيه.. فإن على الحامل والمرضع القضاء عقب وضع حملها والتطهر من النفاس أو الانتظار لحين انتهاء الرضاعة، في حالة المرضع.
- الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ذهب إلى وجوب القضاء فقط على كلِِ من الحامل والمرضع مثلهما مثل المريض والمسافر، وهو الرأي الأرجح لديه على الرغم من وجود الخلاف بين العلماء في هذه المسألة.
حديث “إن الله وضع عن الحامل وَالْمُرْضِعِ الصوم”
من الأدلة التي اعتمد عليها صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم-، ومعظم العلماء.. في قولهم بوجوب القضاء فقط على الحامل والمرضع دون الإطعام؟ هو حديث “إن الله وضع عن الحامل وَالْمُرْضِعِ الصوم”، وهو حديث حسن صحيح! وجاء نص الحديث كالتالي:
عن أنسِ بنِ مالِكٍ -رضي الله عنه-، قالَ : «أغارت علينا خيلٌ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فانتَهيتُ “أو قالَ فانطلقتُ” إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وَهوَ يأْكلُ. فقالَ: اجلِس فأصِب من طعامِنا هذا. فقلتُ: إنِّي صائمٌ، قالَ: اجلِس أحدِّثْكَ عنِ الصَّلاةِ وعنِ الصِّيامِ.. (إنَّ اللَّهَ تعالى وضعَ شطرَ الصَّلاةِ “أو نصفَ الصَّلاةِ” والصَّومَ عنِ المسافرِ وعنِ المرضعِ “أوِ الحُبلى”) -واللَّهِ لقد قالَهما جميعًا أو أحدَهما-. قالَ فتلَهَّفتُ نفسي أن لا أَكونَ أَكلتُ من طعامِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ». حسنه الألباني، في صحيح أبي داود (2408)، وقال حديث حسن صحيح.
ويعد هذا الحديث أحد أكبر الدلائل التي يعتمد عليها العلماء في وجوب قضاء الحامل أو المرضع، وليس الكفارة! مثلها مثل المسافر، الذي لا يجزئه الإطعام عن صيام القضاء عن اليوم الذي أفطره. هذا وقد قيل أن المقصود من “إن الله وضع عن الحامل وَالْمُرْضِعِ الصوم”؟ هو وضع الصوم “رفعه” عن الحامل والمرضع حتى انتهاء مدة عذرهما، مثلهما مثل: الحائض والنفساء حتى يتطهرا.
كفارة صيام الحامل والمرضع
أحد الآراء التي ذهب إليها بعض من صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم أجمعين-، وبالتحديد؟ كلِِ من: “عبدالله بن العباس” وابن عمر” -رضي الله عنهم-، هو أن كفارة صيام الحامل والمرضع، هو الإطعام فقط وليس عليهما قضاء. هذا وقد استند كلُُ منهما على قوله تعالى:
(… وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) {البقرة: 184}.
وجاء في الحديث عن ابن العباس -رضي الله عنهما-، في تفسيره للآية الكريمة، عن كفارة الحامل والمرضع، ما يلي:
حدثنا ابن المثنى، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي الله عنهم جميعاً-: «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا قال أبو داود يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا». قال النووي: إسناده حسن.
قال ابن باز -رحمه الله-، في ذلك: الحامل والمرضع تكونا في حكم المريض؟ الذي وجب عليه القضاء عن كل يوم يفطر فيه حينما يتعافى، حتى وإن تأخر ذلك، وهما ليستا مثل الشيخ الكبير الهرم العاجز عن قضاء ما عليه من الأيام. لذلك هو يطعم عوضاً عن القضاء أما رأي ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم-؟ هو رأي مرجوح، ولكنه مخالف للأدلة الشرعية، وقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
حكم إذا أفطرت الحامل خوفاً على جنينها
قال كلِِ من الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل -رحمهما الله-: أن حكم صيام القضاء للحامل والمرضع أو الإطعام؟ يتوقف على سبب الإفطار حيث قسموا رأيهم إلى قولين، هما كالتالي:
- حكم إذا أفطرت الحامل خوفاً على نفسها: يتفق كلِِ من المذهب الشافعي والمذهب الحنبلي مع باقي المذاهب في وجوب القضاء فقط على الحامل والمرضع، في هذه الحالة.
- حكم إذا أفطرت الحامل خوفاً على جنينها: زاد كلِِ من الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل، عن باقي المذاهب. أنه في هذه الحالة يجب على الحامل القضاء والإطعام معاً “إطعام مسكين عن كل يوم”.
“وقيل عن هذا الرأي أنه أحوط الآراء وأبرؤها للذمة”.
كفارة إفطار المرضع في رمضان
فسر ابن قدامة -رحمه الله-، في المغني جميع الأقوال التي وردت عن أصحاب المذاهب الأربعة فيما يخص حكم صيام الحامل والمرضع، حيث قال: أن القضاء على كلِِ من الحامل والمرضع، هو أمر متفق عليه بين جميع العلماء ولا خلاف فيه. أما رأي ابن عمر وابن العباس؛ فهو رأي مرجوح، لكنه مخالف للأدلة الشرعية المتعددة. لذلك هو أضعف الآراء التي يتم الأخذ بها في هذه المسألة.
وعن قول الشافعي وأحمد، في: “وجوب القضاء فقط في حالة خافت الحامل على نفسها.. ووجوب القضاء والإطعام معاً في حالة خافت الحامل على جنينها”. فقد جاء فيه:
قال الليث: “الكفارة (القضاء والإطعام معاً) تكون على المرضع فقط”.
وقد فسر قوله هذا؟! بأن المرضع يمكن أن تسترضع لولدها في حالة خافت عليه, كما أن الرضاعة ليست شاقة في الكثير من الأحوال ولا تستعدي الإفطار. لذلك تكون كفارة إفطار المرضع في رمضان: القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم. أما الحامل، إن خافت على جنينها؛ فإنها تكون في مقام الخوف على نفسها! لأن الجنين جزء لا ينفصل عن الأم مثله مثل أحد أعضائها. لذلك لا يجب على الحامل الكفارة بالإطعام. بل يكفي القضاء فقط.
- قال ابن باز -رحمه الله-: أن الحامل والمرضع عليهما القضاء فقط ويكفي ذلك حتى وإن تأخر هذا القضاء بسبب النفاس أو نزول الحيض أو مشقة الرضاعة، حتى وإن جاء رمضان آخر عليها ولم تقضي. يمكنها أن تقضي بعده أما إن لم تقضي تساهلاً منها أو تكاسلاً دون وجود ما يمنع القضاء حتى جاء رمضان آخر عليهما. فإنه في هذه الحالة وجب القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم.
في الختام؛ نسأل الله تعالى أن نكون قد وفقنا في عرض كافة النقاط التي تخص “حكم صيام الحامل والمرضع”، وأن نكون قد تمكنا من إيصال الأحكام الشرعية الخاصة بهذه القضية الهامة بطريقة مفصلة ومبسطة.