حكم دعاء ختم القرآن الكريم في الصلاة
حكم دعاء ختم القرآن الكريم في الصلاة، تفصلنا عن حلول شهر رمضان أيام قليلة جداً، ويسعى المسلمين خلال هذا الشهر على مضاعفة العبادات منها قراءة القرآن وقيام الليل وصلاة التراويح، ويتساءل العديد منهم عن حكم الدعاء بعد ختم القرآن الكريم أثناء الصلاة ومدى مشروعية هذا الأمر من رفضه.
حكم دعاء ختم القرآن
يرى المذهب المالكي عدم تشريع دعاء ختم القرآن في الصلاة، حيث يقول ابن الحاج:
“مِن المستخرجة عن ابن القاسم، قال: سُئِلَ مالك عن الذي يقرأ القرآنَ فيختِمُه ثم يدعو؟ قال: ما سمعتُ أنَّه يدعو عند خَتْمِ القرآن، وما هو من عملِ النَّاسِ” . ((المدخل)) (2/299). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/408)، ((المختصر الفقهي)) لابن عرفة (1/ 415). وقال مالكٌ:” ليس خَتْمُ القرآن في رمضان بسنَّةٍ للقيامِ”. ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/288).
وهو ما تُؤيده الحنفية حيث قال ابن مازة البخاريُّ:
“يُكرَهُ الدعاء عند ختْم القرآن في شَهرِ رمضانَ، وعند خَتْمِ القرآن بجماعةٍ، لأنَّ هذا لم يُنقَل عن النبيِّ عليه السلام وأصحابه، قال الفقيه أبو القاسم الصفار: لولا أنَّ أهل هذه البلدة قالوا: إنَّه يمنعنا من الدعاء، وإلَّا لَمَنَعْتهم عنه”، ((المحيط البرهاني)) (5/313).
كما هو الحال مع الألباني حيث قال:
“أنَّ التزامَ دعاءٍ مُعَيَّن بعد ختْمِ القرآن من البِدَع التي لا تجوز”. ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (13/315 رقم 6135).
ويقول ابن عُثيمين:
” إنَّ دعاءَ ختْمِ القرآن في الصلاة لا شكَّ أنَّه غير مشروع، لأنَّه وإن ورد عن أنس ِبنِ مالك رضي الله عنه أنَّه كان يجمع أهلَه عند خَتْمِ القرآن ويدعو، فهذا خارِجَ الصلاة، وفرْقٌ بين ما يكون خارِجَ الصلاة وداخِلَها، فلهذا يمكن أن نقول: إنَّ الدعاءَ عند ختم القرآن في الصَّلاة لا أصلَ له، ولا ينبغي فِعلُه حتى يقومَ دليلٌ من الشَّرْعِ على أنَّ هذا مشروعٌ في الصَّلاة). ((الشرح الممتع)) (4/42).
كما لم يرد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء ختم القرآن في الصلاة منفرداً أو في جماعة قبل الركوع أو بعده أو في صلاة التراويح، كما لم يرد ذلك عن الصحابة، كما تبين أن العبادات التوقيفية لا تثبت إلا بنص صريح في القرآن والسنة، ويُمكن الدعاء عند ختم القرآن بعد الصلاة فذلكم مسّتحب، ويُمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء أو بالدعاء الجامع الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حكم دعاء ختم القرآن في الصلاة للإمام ابن باز
يذكر الإمام ابن باز أنه من الأولى تلاوة دعاء ختم القرآن في الصلاة بشرط عدم الإطالة، مثل اختيار الدعوات الجامعة المفيدة اقتداءً بدعاء النبي، حيث قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب جوامع الدعاء ويدع ما سوى ذلك.
لذلك يجوز للإمام الدعاء بقراءة اللهم اهدنا فيمن هديت الذي تم ذكره في حديث الحسن في القنوت وبعض الدعوات الطيبة القصيرة كما زاد عمر بن الخطاب دون أن يكون في ذلك مشقة على المسلمين المصلين.
بالتالي يُمكن دعاء ختم القرآن في الصلاة بدءا بحمد الله والصلاة على رسول الله والختم في صلاة قيام الليل أو الوتر مع عدم الإطالة، وهو أمر معروف عن السلف والخلف، فالدعاء مشروع في الصلاة حتى وإن لم يكن لختم القرآن.
وقد كان أنس عند ختم القرآن يدعو بأهله وقد عرف ذلك عنه خارج الصلاة، أما في الصلاة فلم يُنقل عليه شيء في ذلك ولا في الصحابة، لكن يرى الإمام بن باز أنه إذا كان يفعل ذلك خارج الصلاة فهو جائز عند الصلاة، ويستند بن باز في ذلك بعدم إنكار أحد دعاء ختم القرآن خارج الصلاة أو داخلها، وهو ما اعتمد عليه السلف في دعاء ختم القرآن.
حكم دعاء ختم القرآن في الصلاة الإمام أحمد
ذهب الإمام أحمد إلى قول أن دعاء ختم القرآن مستحب في الصلاة، حيث اتبع في ذلك عن ما نقله عن سفيان بن عيينة وأهل مكة من الأتباع، والظاهر أنه تناقله عن من سبقهم، ويُسْتدل على ذلك بما قاله فضل بن زياد:
سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْت: أَخْتِمُ الْقُرْآنَ، أَجْعَلُهُ فِي الْوِتْرِ أَوْ فِي التَّرَاوِيحِ؟ قَالَ: اجْعَلْهُ فِي التَّرَاوِيحِ، حَتَّى يَكُونَ لَنَا دُعَاءً بَيْنَ اثْنَيْنِ، قُلْت: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قالَ: إذَا فَرَغْتَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ فَارْفَعْ يَدَيْكَ قَبْلَ أَنْ تَرْكَعَ، وَادْعُ بِنَا وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَطِلْ الْقِيَامَ، قُلْت: بِمَ أَدْعُو؟ قالَ: بِمَا شِئْت، قَالَ: فَفَعَلْت بِمَا أَمَرَنِي، وَهُوَ خَلْفِي يَدْعُو قَائِمًا، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ فِي خَتْمِ الْقُرْآنِ: إذَا فَرَغْت مِنْ قِرَاءَةِ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ {الناس: 1} فَارْفَعْ يَدَيْكَ فِي الدُّعَاءِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، قُلْت: إلَى أَيِّ شَيْءٍ تَذْهَبُ فِي هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْت أَهْلَ مَكَّةَ يَفْعَلُونَهُ، وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَفْعَلُهُ مَعَهُمْ بِمَكَّةَ، قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ: وَكَذَلِكَ أَدْرَكْنَا النَّاسَ بِالْبَصْرَةِ وَبِمَكَّةَ وَيَرْوِي أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي هَذَا شَيْئًا، وَذُكِرَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.
- شاهد ايضا: 20 دعاء ختم القرآن للميت
موضع دعاء ختم القرآن
يرى فقهاء الإسلام أن الدعاء يكون بعد قراءة المعوذتين، سواء كان في الركعة الأولى أو الثانية أو الأخيرة بعد أن يختم القرآن، أي أنه يدعو في أي موضع بعد أن يُكمل قراءة سورة الناس في أي وقت من الصلاة أولها أو آخرها، وله أن يتلو ما تيسر من الدعاء بغير إطالة في أي وقت من الصلاة.
وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قنوته في الصلاة قبل الركوع وبعده ولكن كان يقنت بعد الركوع غالباً، ويُعد دعاء ختم القرآن من جنس دعاء قنوت الوتر فهو يُتلى نتيجة ختم القرآن، ويُشرع القنوّت فيه لوجود سبب، وقد كان النبي يفعل ذلك في الركعة الأخيرة حيث كان يركع ثم يرفع من الركوع ويقول الدعاء.
ويكون سبب دعاء ختم القرآن هو توفيق الله للعبد لتلاوة كتابه فهي نعمة عظيمة بالتالي عليه أن يدعو الله أن يهديه به ويُعينه على ذكره، وصلاح قلبه ليشكر الله بعد القيام بعمل صالح، مثلما هو الدعاء قبل التسليم في الصلاة ودعاء قنوت الوتر بعد انتهاء صلاة الوتر.
دعاء ختم القرآن مكتوب
يُعد قراءة ما تيسر من كتاب الله من العبادات اليومية التي يداوم عليها المؤمن، فهو كتاب الله الذي يهدي به خلقه ويكون شفيعاً له يوم القيامة، والأحرى أن يتّفكر المسلم في القرآن، وآيات الله لزيادة الأجر.
ويُفضل العديد من الأشخاص تلاوة دعاء ختم القرآن المكتوب في آخر المصحف الذي تم وضعه من قبل الشيخ بن تيمية، ويُمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء عند إتمام قراءة القرآن من خير الدنيا والآخرة، ومن الأفضل بدء الدعاء بذكر الله والصلاة على رسول الله ثم قول الجوامع من الدعاء، وقراءة دعاء ختم القرآن الذي يوجد في نهاية المصحف التالي:
“اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بالقُرْآنِ وَاجْعَلهُ لِي إِمَامًا وَنُورًا وَهُدًى وَرَحْمَةً.
اللَّهمَّ ذَكِّرْنِي مِنْهُ ما نسيت وَعَلِّمْنِي مِنْهُ ما جهلت وَارْزُقْنِي تِلاَوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ وَاجْعَلْهُ لِي حُجَّةً يَارَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمِ مَغْفِرَتِكَ وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالفَوْزَ بِالجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ.
اللَّهمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهَا جَنَّتَكَ وَمِنَ اليَقِينِ ما تهون بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا وَلاَ تجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَ.
اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ وَلَا هَمَّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ وَلَا دَيْنًا إِلَّا قَضَيْتَهُ وَلَا حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. “
فضل قراءة القرآن الكريم
تُعد تلاوة القرآن الكريم من أعظم العبادات التي تُقرب العبد من ربه، حيث يزيد ذلك من إيمان المسلم، ويتشّبع بأخلاق الإسلام العادلة، ويزداد رحمة، كما يشعر بالسكينة والاطمئنان بذكر الله لتنفرج همومه وينتهي قلقه ويطرد وسوسة الشياطين.
ومن فضائل قراءة القرآن الكريم المتعددة على المسلم ما يلي:
- رفع درجة المؤمن، حيث يكون القرآن رفيق العبد في الآخرة ويتوجه يوم القيامة مع الأبرار، كما يُؤجر المسلم لاجتهاده ومحاولة قراءة كلماته التي قد تصعب على الكثير من الناس، والتفكير في معانيه وتفسيره.
- حيث نُقل عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له من السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ، وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران”
- سبب من أسباب نزول الملائكة من السماء واجتماعهم حول تلاوته، لذلك يحُث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على قراءة القرآن تتنزل عليهم الرحمة وترافقه الملائكة.
- يُزين القرآن صاحبه بتاج من الوقت في الجنة.
- يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” اقرأ وارقَ ورتّل كما كنت تُرتّل في الدنيا، فإنّ منزلتك عند آخر آيةٍ تقرؤها”، بالتالي فإن القرآن شفيع لقارئه في الآخرة، كما أنه يرزقه الفضل في الدنيا.
- شفاء النفس من الأمراض وإشباع الروح بالدين الحق، والشعور بالاطمئنان وذلك لقوله تعالى: ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب”.
- طرد الشياطين من البيوت، وفك السحر عند المداومة على قراءة وتشغيل سورة البقرة بشكل يومي.
آداب قراءة القرآن الكريم
مع اقتراب شهر رمضان يسعى العديد من المسلمين لتلاوة القرآن وختمه أكثر من مرة خلال الشهر، لكن قبل قراءته يجب التحلي بآداب تلاوته لاحتساب الأجر كامل عند الله سبحانه وتعالى ومضاعفة الحسنات، وتكون آداب قراءة القرآن كالتالي:
إخلاص النية في قراءة القرآن لله: | يجب أن يكون سبب تلاوة العبد للقرآن هو التقرب من الله والتدبر في آياته وحكمته في كتابه الذي يُعد معجزة المسلمين لما ذكره من علم وأخلاق وعمل، وتحصيل الأجر والثواب وأخذ حسنات، وليس رياء من أجل إعجاب الآخرين. |
الطهارة والوضوء: | يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن: “لا يمسه إلا المطهرون”، لذلك فإنه من شرط لمس القرآن وتلاوته الطهارة، وعليه يجب أن لا يكون المسلم جُنباً أو في فترة الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة. |
عدم قطع تلاوة القرآن: | من المهم الحرص على اتخاذ مكان هادئ وبعيد لتلاوة القرآن وعدم الانقطاع عنه لأمر من أمور الدنيا، إلا في الضرورة القصوى. |
التطيب واستعمال السواك: | يُفضل استخدام السواك لطرد الروائح الكريهة مثل الدخان وغيرها. |
نظافة البدن والثياب: | يُعد هذا من باب الطهارة. |
استقبال القبلة: | من المفضل استقبال القبلة عند قراءة القرآن. |
الخشوع: | يجب تلاوة القرآن بهدوء وتروٍ لفهم معانيه والتدبر في تفسير آياته، وعدم المرور على الكلمات مثل قراءة أي كتاب آخر، حيث يجب أن ينشغل القارئ بالقرآن ولا يشغل تفكيره بشيء غيره خلال ذلك. |
يتساءل العديد من الأشخاص عن حكم دعاء ختم القرآن، ويوجد هناك اختلاف بين الفقهاء في هذا الباب بين المستحب وغير المشروع، إلا أنه لا يوجد دليل قاطع على عدم مشروعيته كما أنه يُسمح بالدعاء في الصلاة مثل قنوت الوتر الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.