حكم أكل الحصان في الإسلام
على الرغم من أن الحصان ليس من الأكلات الشائعة داخل العالم العربي. إلا أنه أحد الوجبات الأساسية في بعض الدول الأجنبية بصفة خاصة، الدول التي تقع في القارة الأوروبية. التي يتواجد فيها المسلمين حتى ولو بأعداد قليلة إلا أن الكثير منهم تساءل عن حكم أكل الحصان في الإسلام؟ وما إن كان من المباح أكله أم أنه محرم مثل بعض الحيوانات الأخرى المعروف عنها؟ أنها لا يجوز أكلها في الشريعة الإسلامية.
والحقيقة أن مسألة أكل الخيل في الدين الإسلامي، ليست من المسائل التي تشهد خلاف كبير بين علماء الدين. بل أن هناك اتفاق كبير بينهم على رأي واحد بينما القلة منهم تخالف هذا الرأي. فنجد أن الآراء انقسمت على الرغم من ذلك إلى قولين، أحدهما الغالب والذي يُعمل به. بينما الآخر هو الضعيف ولا يتم الأخذ به إلا من أصحابه ومؤيدي هذا الرأي.
- القول الأول: لحوم الخيل مباحة شرعاً ويجوز أكلها.
- الرأي الثاني: لحوم الخيل محرمة وغير جائز أكلها في الشريعة الإسلامية.
حكم أكل الحصان
ذهب رأي جمهور الفقهاء إلى أن حكم أكل الحصان، هو الإباحة، حيث أكدوا على أنه يجوز شرعاً أكل لحم الخيل. إلا أنه يشترط أن يتم ذبحه وليس قتله مثله مثل باقي الحيوانات التي يحلل أكلها. أما إن تم قتله مثلما تفعل الكثير من الدول الأجنبية التي لا تحكمها الشريعة الإسلامية؟ فإنه في هذه الحالة يصبح محرماً، ليس لِكونه لحم خيل إنما لأنه تم قتله ولم يتم ذبحه بالطريقة الشرعية المعروفة.
وقد ذهب مع هذا الرأي الكثير من صحابة رسول الله -رضي الله عنهم أجمعين- بالإضافة إلى معظم العلماء، ويأتي على رأسهم؟ الشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن باز -رحمهما الله- بالإضافة إلى أصحاب المذاهب الثلاثة “المالكية، الحنابلة، الشافعية”.
دليل إباحة أكل الحصان في الإسلام
يرجع السبب إلى أن رأي جمهور الفقهاء يفيد بأن أكل الخيل في الإسلام حلال؟ إلى أن السنة النبوية الشريفة تحتوي على دليل إباحة أكل الحصان في الإسلام حيث ورد ذلك في مجموعة من الأحاديث المتفق على صحتها، والتي تحدثت عن أكل لحوم الخيل، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يحرمه, كما أنه حدث في عهده الكريم، أن أكل من لحمه هو وصحابته -رضوان الله عليهم أجمعين-, كما سوف نوضح فيما يلي:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ورخص في الخيل». رواه البخاري (3982) ومسلم (1941).
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : «نحرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه». رواه البخاري (5191) ومسلم (1942) .
عن جابر رضي الله عنه قال : «سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا نأكل لحم الخيل ونشرب ألبانها». رواه الدارقطني والبيهقي . قال النووي : بإسناد صحيح .
حكم أكل الحصان عند الحنفية
على الرغم من وجود أكثر من دليل متواجد في السنة النبوية الشريفة يوضح أن أكل الحصان حلال شرعاً. وهذا ما أوضحته الأحاديث النبوية المتفق على صحتها، والتي جاء بها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والصحابة -رضوان الله عليهم-؟ قد أكلوا من لحم الخيل وشربوا من ألبانها إلا أن الإمام أبو حنيفة وصاحبيه محمد بن الحسن وأبي يوسف؟ قد اختلفوا مع هذا الحكم.
حيث جاء حكم أكل الحصان عند الحنفية أنه محرم شرعاً، ولا يجوز أكله، وقد استدل أصحاب هذا الرأي على أحد الآيات القرآنية التي فسروها على أنها توضح أن الخيل قد خلقت من أجل الركوب والزينة وليس الأكل. بالإضافة إلى أحد الأحاديث النبوية الشريفة التي تنهى عن أكل لحم الخيل.
دليل تحريم أكل الحصان في الإسلام
كما سبق وأن ذكرنا فإن دليل تحريم أكل الحصان في الإسلام، الذي استند عليه الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- وصاحبيه، هو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقد جاء ذلك في قوله تعالى:
(والخَيْلَ والبِغَالَ والحَمِيرَ لِتَرْكبُوها وزِينَة). [النحل: 8].
وفسر أصحاب المذهب الحنفي هذه الآية قائلاً: أنه إن كان لحم الخيل يؤكل؟ فإنه من الأولى أن المولى -عز وجل- كان يشير إلى ذلك في الآية الكريمة. مثلما ذكر في الآية الكريمة التي ذكر فيها أن الأنعام تؤكل، ولكنه -سبحانه وتعالى- لم يذكر في الآية رقم 8 من سورة النحل عن الخيل سوى أنها للركوب والزينة. أما في السنة النبوية الشريفة؛ فقد جاء النهي مباشر من أشرف الخلق “سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- عن أكل لحم الخيل، وذلك في الحديث النبوي الشريف:
ما روي عن خالد بن الوليد أنه قال : «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع». رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه .
الرد على دليل تحريم أكل الحصان من القرآن
حرص جمهور الفقهاء على الرد على دليل تحريم أكل الحصان، وتوضيح عدم صحته، وأن لحم الخيل من اللحوم المباحة شرعاً؟ من خلال الرد على كل دليل قد استدل به الإمام أبي حنيفة وصاحبيه -رحمهم الله- سواء كان من القرآن الكريم أو من السنة النبوية الشريفة؛ بحيث جاء الرد في البداية على الدليل الذي استند عليه الحنفية من القرآن الكريم.
- (والخَيْلَ والبِغَالَ والحَمِيرَ لِتَرْكبُوها وزِينَة): قال العلماء أن ذكر الركوب والزينة للخيل في الآية الكريمة؟ لا يعني أن المنفعة التي يمكن أن تعود على الإنسان منها ليست مقتصرة على ذلك، والدليل على ذلك؟ قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ)، وفي هذه الآية يتضح أن الخالق -سبحانه وتعالى-، قد ذكر لحم الخنزير فقط وكونه محرماً.
إلا أن سائر المسلمين قد أجمعوا على تحريم الخنزير كاملاً من لحم وشحم وجلود وأحشاء وكل ما ينتمي إليه, كما أنه -سبحانه وتعالى-. قد قال عن الأنعام: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، ولكنه لم يذكر عن الخيل أنها تحمل المتاع، وعلى الرغم من ذلك يتم استخدام الخيل لحمل المتاع! أي أنه لم يحرم حمل المتاع على الخيل، وعليه. فإنه لا يشترط أن عدم ذكر المولى -عز وجل أن الخيول تؤكل في القرآن الكريم، لا يعني أنها محرمة شرعاً!
الرد على دليل تحريم أكل الحصان من السنة
مثلما رد جموع العلماء على الدليل الذي استند عليه الإمام أبي حنيفة وصاحبيه -رحمهم الله- من القرآن الكريم. فإنهم قد حرصوا على الرد على دليل تحريم أكل الحصان من السنة, كما سوف نوضح فيما يلي:
- «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال….»: قيل عن هذا الحديث أكثر من قول:
- أنه ضعيف: حيث ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود, كما ضعفه الحفاظ موسى بن هارون. بينما البخاري قال عنه: أن هذا الحديث فيه نظر.
- حديث إسناده مضطرب: قال البيهقي -رحمه الله-، أن هذا الحديث إسناده غير دقيق ومضطرب, كما أنه مع اضطرابه هذا؟ يخالف الأحاديث النبوية الثقات المتفق عليها فيما يخص مسألة أكل لحوم الخيل، التي تبيح أكل لحومها.
- الحديث منسوخ: وقال بذلك أبو داود، الذي رجح بأن هذا الحديث صحيح. إلا أنه منسوخ بالحكم المتواجد فيه عن أكل لحم الخيل، ورجح هذا القول: النسائي.
ختاماً؛ على الرغم من وجود خلاف بين بعض العلماء عن حكم أكل الخيل في الإسلام. إلا أن الحكم الراجح والمأخوذ به، وهو الإباحة. خاصةً أن العلم قد أثبت أن لحم الخير له الكثير من الفوائد وليس له أضرار، وإن كان ضاراً. فإن من المؤكد أن الإسلام في هذه الحالة؛ كان سوف يحرمه، والدليل على ذلك الخلاف المتواجد في أكل بعض لحوم الحيوانات مثل حكم أكل التمساح. الذي يوجد حوله خلاف واسع بين علماء الدين.